بطعم الفراولة (قصة قصيرة)
كتبتها: 24/06/2013
نُشرت علي جريدة كرموز يوم 31/07/2013 (للإطلاع عليها علي موقع الجريدة إضغط هــــنا)
وفازت بالجائزة التشجيعية لموقع كرموز و دار شمس للنشر و التوزيع في مجال القصة القصيرة يوم: 13/10/2013
دخل من باب البيت حاملا في يده حقيبة سوداء, كان كمعظم من في سنه يرتدي سروالا من القماش, رأسه صلعاء كجلد ثعبان مبلول, نظارة (قعر كُباية), وتحت إبطه إستقرت جريدة, وفي يده كانت تلك الحقيبة.
إجتمعوا حوله يقبلونه, أربعة فتيات و ثلاثة صبية, كان كل واحدٍ فيهم يكبرُ أخاه بعامٍ واحد, ثلاثة فتيات في أوائل الحقبة الألفية الثالثة, ومن بعدهم ثلاثة صبية, ومن ثم آخر العنقود, (شــَهد), وكان سبب تسميتها سببا مشهودا. يُذكر أن يوم ولادتها توّحمت أمها علي هريسة, فأحضرلها زوجها من أحد المحال يُدعي (شهد الملكة) قبل أن تتلوي في ألم مُعلنة شهود مولود جديد, فأصبحت تلك فكاهتهم لعقدٍ كامل.
- "كل واحد حياخد, إستنوا بس آخد نفسي".
أزاحتهم الأم صارخة ثم إقتربت منه لتسنّده حتي جلس, ثم أحضرت طشطا وبقت فترة تنقع قدميه فيه برفق, وكان الجميع ينتظرون في عُجالة, متسائلين "يا تري, إيه اللي في الشنطة دي؟".
أنهت الأم عملها ثُم نادي الأب: "تعالوا يا ولاد".
أسرعوا يتزاحمون من حوله, واستقرت آخر العنقود علي قدمه فأزاحها مداعبا إياها: "كبرتي و احلويتي وبقيتي زي أمّك" , ورأي شبح إبتسامة علي وجه زوجته التي دعت له أن يُطيل الله في عمره.
"تعالي يا حمادة, ظابط شُرطة زيّك أهه, وتعالي يا زينة, عروسة زيّك جميلة"
"الله, تسلم إيدك يا بابا" ثم قبّلت رأسه علي عكس (حمادة) الذي أخذ اللعبة و جري مُسرعا ليبدأ عملية تجسس يقودها الظابط في مُحاربة بعض الجزرات في زيهم البرتقالي مُستعينا بالراقصة الطماطم والمفاتيح كأداة حادة. وتراك تسمع صوت أمه تنهره عن اللعب بالطعام آمرة إياه أن يذهب ليستذكر دروسه.
- "مصطفي, إنتا ليك كتاب, عشان تبقي كاتب كبير و نقرالك في الأهرام يا بطل".
- "مصطفي محموووود, تسلم إيدك يا سيد الكُل".
- "تعالي يا كوكو, آدي الروج اللي كنتي طالباه, وتلات ألوان كمان".
- "إيه ده يابابا, أنا كُنت طالبة أزرق".
- "أزرق, بلدي أوي علي فكرة".
- "دي شيك جدا, يا بابا ده حتة (لادي جاجا) حطيته في آخر أغنية".
- "(لادي جاجا)؟, وده ولد ولا بنت؟".
- "لادي يا بابا, بنت طبعا!".
- "طب إمشي عشان نشوف إخواتِك".
وأسرعت إلي غرفة نوم (البنات), وبدأت تتزين وتضع من أحمر الشفاه, ومن ثم إستعانت بأدوات والدتها وبدأت تُغني بصوت ناعمٍ, وفي تلك الأثناء كان الجميع ينتظرون أباهم و هو يهم بإخراج هدية أخري, فأعطي هذا (إم بي ثري) وأعطي تلك نظارة السباحة التي طلبتها; حتي إنحل الجمع و بقيت (شهد).
- "إيه بابا, أنا ليا أيه؟"
- "إنتي ليكي ديه".
ومن ثم أخرج من جيبه علبة لبان (مستيكة) لم يكُن فيها إلا قطعة واحدة, وأعطاها لها, فنظرت إليه بحسرةٍ,
- "بابا؟"
- "كليها الأول, دي فراولة"
- "إشمعني أنا؟" – ماضغة إياها–
- "إشمعني إنتي اللي إيه؟"
- "أنا الوحيدة اللي ماجبتليش حاجة, وأنا دايما بآخد آخر واحدة"
- "عارفة ليه بتاخدي آخر واحدة؟, إنتي آخر عنقودنا, وفرحة عُمرنا, وبعدين, هو أنا مش إديتك مستيكة؟"
- "بس أنا كُنت عاوزة .. "
- "عارفة المستيكة اللي في بقك, بطعم الفراولة؟ ليه محستيش بطعمها؟ كُل واحد ربنا بيديله حاجة, واحد بياخد خروف, وواحد بياخد حتة لحمة, وفيه ناس بتاخد العظم تعمل عليه شوربة, وأهي عايشة, التلاتة عايشين, وبعدين مين قاللك إنك ملكيش غير المستيكة؟"
ثم نادي: "يا أم العيال, يلا بسرعة" وأردف: " يازينة, الشنطة من تحت السرير". وفي ثواني كان الجمع قد إحتشد حول (ترابيزة السفرة) وبدأ الغناء مع دخول الأم : "سنة حلوة يا جميل".
ولا تستطيع أن تصف مدي لمعان أعين (شهد) بعدما غنّي لها إخوتها وأخرجت (زينة) من الشنطة علبة كبيرة ومن ثم ناولتها لأبيها الذي قال: "وآدي الميكانو اللي كان نفسك فيه, ومش بتلات ألوان زي كوكو, معلش يا كوكو, بس أهيه تمت سبع سنين, عُقبال ما تتم السبعين إن شاء الله. يا أم العيال, ما تقطعي التورتة خلينا ناكل .."
وكانت ليلةً لم تنسها (شهد) قط وبقيت حيةً في مخيلتها. وها هي اليوم, وفي يوم تخرجها من كُلية الفنون الجميلة, يُسرع الجميع ليجمعوا الهدايا, وتأتي إليها صديقتها مُخبرة:" مش حتروحي تاخدي؟, لأحسن يخلصوا!", فتتبسم وتقول بعذوبة:
- "متقلقيش, أنا دايما باخد آخر واحدة" ..
تمت
كتبتها: 24/06/2013
محمود سامي محمود