Thursday, July 25, 2013

غيابا و حضور, أعواما مرت كدهور (قصة قصيرة)

غيابا و حضور, أعواما مرّت كدهور (قصة قصيرة) 
 كتبتها: 28/08/2010 

 
منذ نعومة أظفاره وهومتأخر . متأخرا جدا . ينظر الي الناس و يري ما يفعلونه ولكنه لا يعييه ولا يفهمه إلا بعد انقضاء هذا الأمر بمدة فتبدأ عنده الصورة تضح ولكن ليس بالشكل المطلوب أيضا ; فقد كان بطيء الفهم ضعيف الجسد ضعيف الاستجابة و بطيء في رد فعله . تعب والداه في تربيته و تعليمه بعدما سمعا من الطبيب بانه مصاب بضعف في خلايا المخ نتج عنه بطء فهم وضعف جسدي .

منذ صغره كان يسخر منه أصدقائه عندما تسأله المعلمة عن شيء قالته له ولم ينفذه وهو ينظر إليها ببلاهة كأنه لا يفهما. لكنه فعلا لم يكن يعي ما تقوله المعلمة, فرغم تعب والداه الذان لم ينجبا غيره لكبرسنهما بالزواج ولتأخره بالمجيء إلا انه لم يكن يتقدم بالشكل المطلوب او بالشكل الطبيعي حيث أنه بدأ النطق بالكلمات البسيطة مثل "أبي , أمي , جدتي .... " في سن الخامسة مع أن الطفل الطبيعي يبدأ كلامه في سن مبكرة عن هذه السن وأيضا بدأ يتعلم المشي في نفس السن و بدأ يفطن للعب في سن السادسة مثل ان يحاول التقاط الكرة فتسقط من يده فقد كان بطيء الحركة بطيء الاستيعاب لما يدورحوله. وكان ما يتعب والداه حقا قلة ضحكه فهو نادرا ما يضحك ونظرة عدم الفهم التي تطل من عينيه طوال الوقت ولكن ما صبر والداه انهما يعلمان يقينا ان الله لن يتركه و لن يتخلي عنه مهما حدث و ان الله سيدخلهم به الجنة وسيغفر لهم ويرحمهم بسبب ولدهم . ومع الإعتناء به و الدعاء له بدأ يكبر سنا فسنا وينضج وهذا ما كان يجعلهم سعداء به رغم انه عندما وصل للمرحلة الإبتدائية لم يكن يستطيع التعامل مع من في سنه فراح يتعامل مع أطفال الحضانة الذي و جد فيهم أصدقائه و سعادته.
* * * * * * *
هذه حكايته .... فهو بطيء الفهم ... ضئيل الجسد ... قليل الضحك .... دائم التوهان
* * * * * * *
وفي يوم من الأيام و كان مازال في المرحلة الإبتدائية رغم سنه الكبير فهو كان يبلغ من العمر 14 عاما وفي المساء جلس الولد يقرأ من كتاب الله ما تيسر له مع والدته وكان زوجها في المسجد يؤدي فريضة العشاء و بعد أداء الفريضة و الدعاء لإبنه وفي طريقه إلي المنزل جاءت سيارة مسرعة فأطاحت به وذهب به صاحبها الي المستشفي .
* * * * * * *
ذهبت الأم مسرعة إلي المستشفي لتطمئن علي زوجها و أخذت معها ولدها الذي انهار بالبكاء علي والده بعدما فهم بصعوبة ان والده في المستشفي بسبب حادث سيارة, وهناك رأي الطبيب ابنها يبكي فذهب ليداعبه و يخفف من حزنه ففهم الطبيب ان ابنها مصاب بتأخر نوعا ما فلما سألها اجابته بالإيجاب فأخبرها عن مستشفي خارج البلاد تقوم بمعالجة حالات شبيهة بهذه و أخبرها أيضا انه سيحاول ان يسأل لها صديق له هناك لربما يساعدها في مشكلة ابنها, بكت الأم بل انهارت وتوسلت الي الرجل بكلمات و أدعية مثل " ربنا يرزقك رزقا طيبا و يبارك لك في زوجتك و أطفالك " فأخبرها بأن تهدأ و أن هذا واجبه وأنه سيفعل ما بوسعه. ومن بعيد لاح لها ولزوجها شعاع الأمل يغمر قلبهما فيبعث في أنفسهم الدفء .....
وبدأت الأم تتذكر .............
* * * * * * *
تذكرت عندما حانت لحظة ولادته بعد عناء استمر سبعة سنوات من زواجها ......
تذكرت أيضا كيف حملته في يدها بعد ولادته ودعت الله أن يرزقه و يثبته ..........
تذكرت بكاءها عندما أخبرها الطبيب بمرض و ليدها وهو ابن سبعة أيام لا أكثر وأن هذا المرض علاجه ليس مضمونا...
وهاهو الأمل يعود من جديد ليملأ عيناها بالدموع مرة أخري و لكنها
دموع الفرح هذه المرة ... فراحت تدعي الله
* * * * * * *
جاء الرد في صورة مكالمة هاتفية  بعد أيام قلة لتجد الطبيب يخبرها بأن فعلا هذه المستشفي اكتشف بعض علمائها علاجا لمرض وليدها و هذه المستشفي تستطيع ان تؤدي هذه العملية وأنها عليها الذهاب هناك لتعرض في هذا حالة  وليدها أولا...
* * * * * * *
كانت الرحلة مكلفة مع العلم أن الأسرة حالتها الإجتماعية متوسطة لكن سهلها الله حيث أنها بدأت بجمع مجوهراتها و بعض حاجياتها هي و زوجها لتبيعها ولكن الله أرسل لها النجدة في صورة "قائد السيارة"...نعم, قائد السيارة الذي صدم الوالد هو الذي دفع تكاليف الرحلة بعد ان عرف بمرض ولدها فعطف عليه وخاصة أنه لا ينجب وأيضا لأن الأم رفضت أن تأخذ تعويضا نتيجة إصابة زوجها معبرة عن كلامها قائلة "عليه العوض ومنه العوض " فأصر الرجل علي دفع تكاليف الرحلة كاملة ...
* * * * * * *
صلاة , دعاء , حمدا و شكرا , تهليلا و تكبيرا ,
كانت الأم في حالة يرثي لها حيث كانت قلقة بخصوص العملية فكانت تدعو و تصلي و أيضا كانت تحمد الله علي كل شيء أنعم عليها بها.
* * * * * * *
مستشفا ضخما .... طبيبا وجيها يرتدي عويناته و قفازاته ..... دعاء خارج غرفة العمليات ....
بعدها يخرج الطبيب مبتسما مخبرا الأم بأن العملية انتهت بنجاح و أن ابنها يتماثل في الشفاء الآن فتسقط الأم علي الأرض باكية فرحة و تسمع هذا الرنين ... رنين مألوف ... فتستيقظ من نومها علي صوت المنبه الذي ينبهها لكي تستيقظ لتحضر حاجياتها لتلحق بالطائرة وتدعو الله في الوقت ذاته أن تكون هذه رؤية لا مجرد حلما.
* * * * * * *
مستشفا ضخما .... طبيبا وجيها يرتدي عويناته و قفازاته ..... دعاء خارج غرفة العمليات ....
بعدها يخرج الطبيب مبتسما مخبرا الأم بأن العملية انتهت بنجاح و أن ابنها يتماثل في الشفاء الآن فتسقط الأم علي الأرض باكية فرحة ... نجحت العملية .... نجحت لتثبت أن في الدعاء والتقرب من الله الخلاص من أي شيء شيطاني ضار وراحة للنفس وأيضا نجحت لتري الأم ابنها كباقي أبناء سنه ولكي يري الأب أن الفرج آت لا محالة .... ربما يأتي الآن و ربما يأتي بعد ثوان أو دقائق و ربما يأتي بعد شهور , أعوام , ربما يأتي بعد واحد و عشرين عاما من الكد ولكنه آت لا محالة.......
* * * * * * *
كانت أول مشكلة واجهت الأم بعدها  تكاليف العملية الجراحية فبدأت ببيع حاجياتها واستطاعت دفع المبلغ كاملا بإذن الله أما المشكلة الثانية والأهم فكانت الإعتناء بولدها لأن الطبيب أخبرها أنه يحتاج لرعاية خاصة لأن بعد هذه العملية ينسي كل شيء و يحتاج لإنسان يعلمه من البداية حتي سنه كي يستطيع أن يتفاعل مع المجتمع فيما بعد فأخبرته أمه أنها ستكون معه طوال الوقت حتي يشفي تماما بإذن الله.
ولكن .................
* * * * * * *
"قدر الله و ما شاء فعل"
ففي طريقها للمنزل بعد شراءها الدواء لزوجها ....
أتت سيارة مسرعة .....
و .....
"أتي أمر الله"
ماتت الام ...
ماتت لتترك زوجها مصابا
ماتت لتترك ابنها الذي يحتاجها وحيدا
ماتت لتتركهما في رعاية الله
* * * * * * *
ومن يومها عاش الأب في معاناة حزينا علي زوجته التي يحبها و تحبه وحزينا علي ابنه الذي لن يجد من يرعاه ولكن إيمانه بالله كان أعظم منه فترك الدنيا حزينا و لكن علي يقين بأن الله لن يترك ابنه بدون رعاية و أمان منه
* * * * * * *
"وخلق كل شيء فقدره تقديرا"
* * * * * * *
الآن ابنهما يبلغ من العمر 35 عاما و متزوجا و رزقه الله بطفلتين في روعة الجمال وينتظر مولودا جديدا
* * * * * * *
نعود للوراء قليلا....
* * * * * * *
بل نعود للوراء كثيرا.....
* * * * * * *
قبل وفاة الأم و هي في المستشفي طلبت أن تري الرجل الذي صدم زوجها هو و زوجته لكي توصيهما علي ابنها إذا حدث شيء لها أو لزوجها. وبعد وفاتها هي و زوجها الذي لم يتحمل الحياة بدونها بسبب حبه لها تبني هذا الرجل و زوجته الولد حتي كبر و تزوج وأصبح ابا و عالما كبيرا مشهورا في أبحاث ضعف خلايا المخ ....
* * * * * * *
صدق رب العالمين الذي لا يقطع إلا ليوصل
* * * * * * *
"وااااء ... وااااء .... وااااء"
بكاء طفل .... مستشفا ضخما .... طبيبا وجيها يرتدي عويناته و قفازاته ..... دعاء خارج غرفة العمليات ....
بعدها يخرج الطبيب مبتسما مخبرا الأب "مبروك لقد رزقت بطفل" .... تهللت الأسارير.....
* * * * * * *
وبعد أيام يخبره الطبيب بالحقيقة ....
ابنه مصاب بضعف في خلايا المخ وضعف جسدي و ......
ومن هنا يبدأ فصل جديد ..........
فصل دعاء للوالدين لكل ما فعلوه من أجله......
وفصل ليورث القصة أجيالا و أجيال......

محمود سامي محمود
28 – 08 -2010
18 – رمضان – 2010





No comments:

Post a Comment